Wednesday, July 28, 2010

إمسك حرامي الشنط





خطف حقائب السيدات أو حتى الرجال ليست من الجرائم الجديدة على مجتمعنا فهي على ماأعتقد قديمة قدم سرقة حبل الغسيل وعشة الفراخ والمحفظة في الأتوبيسات عند مطلع كل شهر، وزمان كان التعامل معها من قبل المواطنين وأولاد البلد لا يخرج عن الإمساك بالجاني وتسليمه للشرطة أو إذا تملكتهم الرحمة كانت لاتخرج عن قلمين على الوجه وشلوت ولا يتم إبلاغ الشرطة رحمة به وبظروف الحياة التي أجبرته على سرقة من لايزيد عنه كثيراً سعة من المال

ثم إختلف التعامل بعد ذلك فأصبحت تلك الجرائم لاتحرك ساكناً لكثيرين بعدما أصبح اللص أكثر شراسة عند محاولة القبض عليه، وإنصرف الناس عن مطاردته تفادياً لأن تصيبهم علامة من سلاحه الأبيض لن يفلح الزمن في محو أثرها، وصرنا نتحسر على جدعنة أولاد البلد وشهامة شباب الحتة

ثم جاء لص حقيبة إمرأة العجوزة الذي إختطفها عنوة في الساعات الأولى من صباح أحد الأيام أو في الساعات الأخيرة من مساء أحد الليالي، لم يكن الأهالي من صنف زمان ولا صنف الآن حيث إستطاعوا الإمساك باللص القروي الهاوي الذي لايبدو أنه قادر على فنون الهرولة ولا التهديد بسلاح، إنكب الأفاضل السهرانين على الرجل ضرباً وركلاً .. واحدة في وجهه والأخرى في بطنه والثالثة في قلبه والرابعة في مؤخرته ومن يستطع الوصول لأي منطقة فهي من حقه الركل بها، فالرجل لص ودمه مستباح .. حتى لفظ أنفاسه الأخيرة وغادر الحياة تاركها لهم ومعها حقيبة السيدة المصونة، ماهذه الهجمية؟ وماهذا الجهل القبيح الذي يجعل أولاد البلد يأخذوا حق الآخرين بأرجلهم بعدما يصدرون حكماً بالإعدام ركلاً لخاطف حقيبة من أجل بضعة جنيهات؟ ماهذه القسوة والوحشية في القصاص من رجل لم يتعرض لهم؟ أليس بينهم رجل رشيد أو رجل حكيم يقدر أبعاد الموضوع لتسليمه للشرطة وهي بالطبع لن تكون أكثر رأفة، ولكن في النهاية لن يكون القتل بأرجلهم، هناك ضبابية في التفكير والحكم على الأشياء وهناك خلط في مفهوم الأخلاق والشهامة وهناك جهل وكفر بثوابت الأشياء، بالرغم من أن المواطنين وعلى حسب موقع الجريمة ينتمون لمستوى إجتماعي أقرب لأن يكون فيه الوعي والفكر فيه على أعلى مستوياته

كان الراحل عبد الوهاب مطاوع يتحفنا كل فتره في بريد الأهرام اليومي بقصص رائعة عن ماأطلق عليهم حينها الفهود المصريين الذين كانت تنشق الأرض وتخرجهم في اللحظات الحاسمة لتخليص المجني عليه من بلاء حل به ويختفي في لمح البصر مثلما ظهر لا ينتظر شكراً ولا أجراً، ومن يحكي الرواية كان بصعوبة ما يستطيع أن يلتقط له إسماً ليحييه أو يكتفي بذكر ماحصل عليه من مواصفات أو معلومات قد تدل عليه فتعطيه حق شجاعته ورجولته، وكان القراء يتسابقون في حكايات الفهود المصرية حتى شعرنا أن هناك مازال رجالاً وإن كان ندر وجودهم فلا نستطيع أن نجزم بغيابهم التام فكانوا بصيصاً من الأمل في الظلام الحالك الذي يحيط بشارعنا الآن من قبح وأذى وتنطع ولامبالاة

التحقيقات وتقرير الطبيب الشرعي أكدت أن وفاة الرجل كانت نتيجة الضرب الذي تعرض له، وتابعت الصحف على يومين أحداث القصة وإنتهى كل شيئ، فلم نعرف من قتله بالتحديد وماذا فعلت الشرطة وتحريات المباحث وتحقيقات النيابة للوصول للجناة، وكأن المشهد أنه كلب وراح والتعاطف معه إنتهى لأنه في النهاية لص وحرامي ونال جزائه، إذا كانت تلك رؤيتنا للموضوع ومقتنعين بها فنحن أيضا مشوهين فكرياً، فمهما كان جرم الرجل فلا يجب أن نتغاضى عن إنتهاك حقوقه التي أدت لوفاته بينما قاتلوه أحراراً يستلقون على أرائكهم يتعاطفون مع قتيل الأسكندرية أو يدخنون الشيشة ويتجادلون في قضية جدو، عندما وُجهت لقتيل الأسكندرية إتهامات بأنه سيئ الخلق ومتعاطي للمخدرات أو متاجراً فيها إنتفضنا كلنا وتصايحنا متسائلين ومستنكرين وهل ذلك مبرراً لقتله بتلك الطريقة الوحشية، وتغاضينا عن ذلك وعن حق لأنه مهما كانت أخلاق أو سمعة الشاب فاسدة فهذا لا يعطي تبريراً للعنف الذي يؤدي للموت، وإذا كان الإعلام والميديا قد إستهانت بالجريمة فلاينبغي للمؤسسات الحقوقية أن تتعامل مع الحقوق بالقطعة، وهنا لا أزايد على قضية خالد سعيد ولا أطالب بأن تتحرك الدنيا من أجل لص الحقيبة، ولكني أؤكد أن الحقوق لا تتجزأ كما المبادئ ولا يجب أن تحفظ قضية هذا الرجل في الأدراج بل يجب أن ينال المجرمون حقهم أيضاً وبالقانون ولا يجب أن نصمت عندما يكون الفاعل مواطن مثلنا .. فيلعن الله قوماً ضاع الحق بينهم
وإذا كان مقتل مواطن على أيدي رجال الشرطة حراماً، فلن يكن أبداً مقتل لص بأرجلنا حلالاً


فالحق حق وحكمة القاضي تقول دائماً .. من أتاك وقد فقأت عينه فإنظر إلي الآخر فقد يكون فقأت له عينان